فيه مشهد صار شائع للغاية، وغالبًا الكل شاف الشاشة السحرية اللي تنمد لطفل جالس يبكي بشكل مُزعج، وفجأة يختفي صوته تمامًا.
وبدال لا يبذلون الأهل جهد في أنهم يهدون الطفل أو يلعبون معه، واللي يعتبر حل يحتاج وقت طويل، صارت مد الجوال أو الجهاز اللوحي بديل مغري لهذي المهمة.
وهالحل صار شائع جدًا لدرجة أن وقت تفاعل الطفل مع الشاشات كان في عام 1970 يبدأ في عمر 4 سنوات، أما اليوم صار يبدأ بعمر 4 شهور بس!
لكن للأسف هذا الحل السحري له ثمن باهظ جدًا، يدفعه الطفل بشكل كبير من صحته العقلية والنفسية والجسدية.
كيف يصير هالشيء؟ ووش الأشياء اللي ممكن تتأثر نتيجة لتعرض الطفل للشاشة؟ هذا اللي راح نعرفه الآن.
التأثير المباشر على الصحة النفسية
في مراجعة منهجية للأبحاث حصل ستيغليك وزميله فاينر في العام 2019 أدلة قوية تربط بين زيادة استخدام شاشات الأجهزة وارتفاع أعراض الاكتئاب وتدني جودة الحياة.
وكان فيه ارتباطات لكن بنسبة أقل بين زيادة الاستخدام، والقلق، ومشاكل السلوك، وفرط النشاط، وضعف الانتباه، وانخفاض تقدير الذات.
وبالنسبة للأطفال بالعمر اللي قبل المدرسة بالتحديد، لقت دراسة جماعية أجروها على 15,965 طفل في رياض الأطفال، أعمارهم بين 3-6 سنوات أن حجم الوقت اللي يقضونه قدام الشاشة، ونوعية المحتوى كانوا مرتبطين بشكل كبير بمشاكل الصحة النفسية.
وتخيل أن هذي العلاقة كانت موجودة بغض النظر عن نوع المحتوى، مع أن البرامج التعليمية كانت مرتبطة بمخاطر أقل، مقارنة بالبرامج اللي ما كانت موجهة للأطفال، واللي زادت المخاطر بشكل كبير.
انتهاك التطور الاجتماعي والعاطفي
يقول الباحث موبالا في دراسة نشرها عام 2023 أن الاستخدام الزائد للشاشة: “يعيق القدرة على تفسير العواطف عند الطفل، ويغذي السلوك العدواني، ويضر بالصحة النفسية بشكل عام”.
وهذا مقلق خصوصًا للأطفال اللي بعمر ما قبل المدرسة، وطلاب المدارس الابتدائية، اللي يمرون بهالوقت بفترات نمو حرجة للتنظيم العاطفي والمهارات الاجتماعية.
يمكن للأجهزة الذكية دون إشراف أن تعطل بشكل كبير التطور الاجتماعي-العاطفي. يقلل وقت الشاشة من كمية وجودة التفاعلات بين الأطفال ومقدمي الرعاية لهم، مما يؤدي إلى تقليل فرص الأطفال لممارسة وتطوير المهارات الاجتماعية الحاسمة [1]. هذا الانخفاض في التفاعل البشري يشكل مشكلة خاصة لأطفال ما قبل المدرسة، الذين يتعلمون التنظيم العاطفي بشكل أساسي من خلال التفاعلات وجهاً لوجه.
يمتد التأثير ليشمل نتائج سلوكية أيضاً. تشير الدراسات إلى أن الأطفال الذين يشاهدون الشاشات لمدة ساعتين أو أكثر يومياً هم أكثر عرضة لمواجهة مشاكل سلوكية مقارنة بأولئك الذين يقضون أقل من ساعة واحدة يومياً أمام الشاشة. يمكن أن تظهر هذه المشاكل السلوكية كصعوبة في العلاقات مع الأقران، واضطراب التنظيم العاطفي، ومشاكل في الانتباه.
التطور المعرفي واللغوي
كشفت دراسة كيبيك الطولية لتطور الطفل عن وجود ارتباط دائم بين التعرض المبكر للشاشة والقدرات المعرفية، حيث ترتبط كل ساعة إضافية من التعرض للتلفزيون في عمر السنتين بانخفاض بنسبة 7% في المشاركة الصفية وانخفاض بنسبة 6% في الكفاءة الرياضية بحلول الصف الرابع.
اكتساب اللغة
السنوات الأولى من الطفولة حاسمة لاكتساب اللغة، حيث تتطور المهارات بشكل أساسي من خلال التفاعلات مع البالغين. يمكن لوقت الشاشة أن يقلل من هذه التفاعلات الحيوية، مما قد يعيق تطور اللغة [1]. في حين تظهر بعض الدراسات ارتباطات إيجابية بين وقت الشاشة المشترك والقدرات اللغوية، فإن الاستخدام المفرط المستقل للشاشة مرتبط باكتساب مفردات أضعف [1].
التعرض للتلفزيون في الخلفية يشكل مشكلة خاصة للأطفال الصغار. أظهرت الدراسات آثاراً سلبية على استخدام اللغة، والوظائف التنفيذية، والإدراك لدى الأطفال دون سن الخامسة عندما يكون التلفزيون موجوداً في الخلفية [1]. هذا مهم بشكل خاص للأسر التي تكون فيها الأجهزة قيد التشغيل باستمرار، حتى عندما لا تتم مشاهدتها بنشاط.
مخاوف الصحة البدنية
اضطراب النوم
يمكن لاستخدام الشاشة قبل وقت النوم أن يعطل بشكل كبير أنماط النوم لدى الأطفال. وجدت المراجعة المنهجية التي أجراها ستيغليك وفاينر أدلة تربط وقت الشاشة بنتائج نوم سيئة [2]. يمكن لانبعاث الضوء الأزرق من الشاشات أن يثبط إنتاج الميلاتونين، مما يجعل من الصعب على الأطفال النوم وقد يقلل من جودة النوم ومدته.
السمنة والنشاط البدني
هناك أدلة قوية معتدلة تربط وقت الشاشة بزيادة السمنة وتراكم الدهون لدى الأطفال [2]. من المحتمل أن تكون هذه العلاقة متعددة العوامل، تشمل انخفاض النشاط البدني، وزيادة السلوك المستقر، وزيادة تناول الطاقة. كما وجدت المراجعة أدلة معتدلة على وجود ارتباطات بين وقت الشاشة وزيادة تناول الطاقة وانخفاض جودة النظام الغذائي [2].
التأثيرات طويلة المدى
قد تمتد العواقب طويلة المدى للاستخدام المبكر غير الخاضع للإشراف للأجهزة الذكية إلى مرحلة المراهقة والبلوغ. تشير الأبحاث إلى تأثيرات محتملة على:
- التحصيل الأكاديمي: يرتبط وقت الشاشة المفرط المبكر بانخفاض التحصيل التعليمي في مراحل لاحقة من الطفولة [2].
- مسار الصحة النفسية: يثير الارتباط بين وقت الشاشة وأعراض الاكتئاب مخاوف بشأن الرفاهية النفسية على المدى الطويل [2].
- التطور المعرفي: قد يكون للتطور المعرفي الضعيف المرتبط بالاستخدام المفرط المبكر للشاشة تأثيرات دائمة على قدرات التعلم وحل المشكلات [2].
- الأداء الاجتماعي: قد تؤثر اضطرابات التطور الاجتماعي-العاطفي المبكر على تكوين العلاقات المستقبلية والحفاظ عليها [1].
- الصحة البدنية: قد تساهم أنماط السلوك المستقر المبكرة والعادات الغذائية السيئة المرتبطة باستخدام الشاشة في تحديات صحية مدى الحياة [2].
المحتوى مهم: ليس كل وقت الشاشة متساوٍ
هناك فارق مهم في البحث وهو أن نوع المحتوى يؤثر بشكل كبير على النتائج. وجدت دراسة تقييم صحة وتعليم ونمط حياة أطفال شنغهاي في مرحلة ما قبل المدرسة أن المحتوى التعليمي كان مرتبطاً بمشاكل صحية نفسية أقل مقارنة بالبرامج غير الموجهة للأطفال [3]. ومع ذلك، مع تقدم الأطفال في العمر من 3 إلى 6 سنوات، انخفض تعرضهم للبرامج التعليمية (من 45.0% إلى 26.8%) بينما زاد التعرض لوسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير (من 1.5% إلى 27.1%) [3].
هذا التحول في أنماط استهلاك المحتوى مثير للقلق، لأنه يشير إلى أن الأطفال قد ينجذبون بشكل طبيعي نحو محتوى أقل فائدة مع تقدمهم في العمر، مما قد يزيد من مخاطر الصحة النفسية دون إشراف وتوجيه مناسبين.
توصيات للآباء والمربين
بناءً على الأدلة التي تمت مراجعتها، قد تساعد التوصيات التالية في تخفيف المخاطر المرتبطة باستخدام الأجهزة الذكية لدى الأطفال الصغار:
للآباء:
- وضع حدود واضحة: تأسيس وفرض قيود متسقة على وقت الشاشة، مع إرشادات مختلفة لأيام الأسبوع وعطلات نهاية الأسبوع.
- إعطاء الأولوية للمحتوى التعليمي: عند السماح بوقت الشاشة، يجب إعطاء الأولوية للبرامج التعليمية عالية الجودة على المحتوى الترفيهي أو غير الموجه للأطفال.
- المشاهدة المشتركة عندما يكون ذلك ممكناً: المشاركة مع الأطفال خلال وقت الشاشة لتعزيز التعلم ومراقبة مدى ملاءمة المحتوى.
- إنشاء أوقات ومناطق خالية من الأجهزة: تحديد أوقات معينة (مثل وجبات الطعام، ساعة واحدة قبل النوم) ومناطق (مثل غرف النوم) كخالية من الأجهزة.
- نمذجة عادات شاشة صحية: إظهار استخدام متوازن للتكنولوجيا من خلال سلوكك الخاص.
- استخدام أدوات الرقابة الأبوية: تطبيق قيود وأدوات مراقبة مناسبة للعمر.
- تشجيع الأنشطة البديلة: تعزيز اللعب البدني، والقراءة، والأنشطة الإبداعية، والتفاعلات الاجتماعية وجهاً لوجه.
للمربين:
- دمج التكنولوجيا بتفكير: استخدام الشاشات كأدوات لأهداف تعليمية محددة بدلاً من أنشطة افتراضية.
- تعليم محو الأمية الرقمية: مساعدة الأطفال على فهم كيفية تقييم المحتوى والتعرف على الأضرار المحتملة.
- التواصل مع الآباء: مشاركة الإرشادات والمخاوف حول استخدام الشاشة لضمان الاتساق بين المدرسة والمنزل.
مراقبة علامات الاستخدام الإشكالي: مراقبة التغيرات السلوكية التي قد تشير إلى وقت شاشة مفرط في المنزل.