سبق مرت عليك معلومة أن التطعيمات ممكن تكون سبب في مرض التوحد؟ 👀
أو جلست مع شخص صرف لك نظريات مؤامرة مرعبة عن اللقاحات؟ 💉
وأكيد كلنا نتذكر الحملات والجدل اللي صاحبت تطعيمات كوفيد-19
وتعال نعرف قصة واحد من أكبر عمليات التزوير في الأبحاث الطبية!
القصة بدأت عام 1998. في مجلة “ذا لانسيت” الطبية المرموقة، اللي نشرت دراسة صغيرة سواها طبيب بريطاني اسمه أندرو ويكفيلد. الدراسة ربطت بين لقاح MMR الثلاثي الفيروسي، اللي يعطى عشان الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية، وبين ظهور حالة جديدة تجمع بين مشاكل الأمعاء واضطرابات نمائية من ضمنها التوحد، عند 12 طفل.
وخلق الموضوع ضجة! لقاح يُعطى لملايين الأطفال لحمايتهم، صار فجأة مشتبه به كسبب لحالة مُربكة ومُحزنة مثل التوحد. صحيح أن الورقة البحثية ما ربطت بشكل صريح بين اللقاح والتوحد، لكنها أشارت بقوة إلى “ارتباط زمني” بناءً على شهادات الآباء. وكان هالشيء كافي لإشعال حريق ضخم.
بدأ الرعب ينتشر بين الأهالي، وبدأوا يتساءلون: إذا كان اللقاح آمن؟ وبعض وسائل الإعلام ضخمت الخبر عشان الإثارة، ونشرت عناوين مُرعبة. ويكفيلد نفسه ما تراجع، واستمر في الترويج لشكوكه بشكل علني.
لكن خلف الكواليس، المجتمع العلمي كان ينظر للأحداث بعين الشك. لأن الدراسة الأصلية كانت ضعيفة جداً: 12 طفل بس؟ وبدون مجموعة أطفال تستخدم كمقارنة؟ واعتمدت بعد بشكل كلي على ذاكرة الآباء في التقييم. والأهم، كيف يمكن ربط لقاح بحالة معقدة مثل التوحد بهذي البساطة؟
بدأت دراسات علمية كبيرة في جميع أنحاء العالم للتحقق من هذا الادعاء. دراسة تلو الأخرى، شملت ملايين الأطفال، وتوصلت جميعها إلى نفس النتيجة القاطعة: ما كان فيه أي دليل على الإطلاق يربط لقاح MMR بالتوحد.
في الدنمارك، تابعوا أكثر من 650 ألف طفل لسنوات. النتيجة؟ ما كان فيه زيادة في خطر التوحد بعد اللقاح. في بريطانيا، كاليفورنيا، وفي كل مكان تمت فيه دراسات جادة، وصلت لنفس النتيجة. منظمات الصحة العالمية، مراكز السيطرة على الأمراض، وكل الهيئات الصحية الكبرى أكدت: اللقاح آمن، والربط بالتوحد خرافة.
لكن ويكفيلد ما وقف. واستمر بالظهور الإعلامي، وأصر على نظريته، وقدم نفسه كضحية للمؤسسات الطبية الكبرى اللي تبي تسكته.
ودخل في هذا التوقيت الصحفي الاستقصائي بريان دير اللي بدأ يشك في القصة الرسمية، وقرر يغوص بشكل أعمق. واكتشف أن الموضوع ما كان مجرد أخطاء علمية، لكن أكبر بكثير!
أول قنبلة أطلقها دير أن الطبيب ويكفيلد استلم أكثر من نصف مليون دولار من محامين كانوا يرفعون قضايا ضد شركات تصنيع اللقاحات نيابة عن بعض الآباء. وما ذكر مصدر التمويل الضخم في الورقة البحثية الأصلية.
والموضوع ما وقف هنا. كشف تحقيق دير عن انتهاكات أخلاقية خطيرة في كيفية التعامل مع الأطفال الـ 12 في الدراسة الأصلية. واللي تعرضوا لإجراءات مؤلمة تمت عليهم بدون موافقات أخلاقية سليمة.
هذي الاكتشافات أجبرت المجلس الطبي العام البريطاني (GMC) يفتح تحقيق رسمي في أهلية ويكفيلد لممارسة الطب. واستمرت جلسات المحاكمة 217 يوماً! وخلالها، صارت سجلات المرضى الأصلية متاحة للعلن.
وهنا كانت الضربة القاضية. تمكن الصحافي بريان دير من مقارنة السجلات الطبية الفعلية للأطفال باللي نُشر في ورقة ويكفيلد عام 1998. والمفاجأة؟ ما كانت مجرد أخطاء أو سوء تفسير، لكن تزوير متعمد للحقائق!
ويكفيلد ما اكتفى بالتجاوزات السابقة، لكنه زور بيانات المرضى الـ 12 بشكل منهجي عشان تناسب النتائج اللي كان يبي يوصل لها.
فيه أطفال قال إن اضطراباتهم النمائية بدأت بعد اللقاح، لكن كانت المشكلة عندهم قبل اللقاح. وتشخيصات مشاكل الأمعاء تم تحريفها. وحصلوه ينتقي البيانات التي تدعم فرضيته ويتجاهل أي شيء يناقضها.
في عام 2010، أصدر المجلس الطبي العام حكمه: ويكفيلد مذنب بسوء السلوك المهني الخطير، تصرف بعدم أمانة ولا مسؤولية، وأظهر “استخفافاً قاسياً” بالأطفال. وتم شطبه من السجل الطبي وسحب رخصته لممارسة الطب في بريطانيا.
وبعد 12 عاماً من نشرها، وبعد أن تسببت بضرر لا يُحصى، قامت مجلة “ذا لانسيت” بسحب ورقة ويكفيلد البحثية رسمياً وبشكل كامل. واعترفوا بأن الورقة كانت معيبة ومليئة بالمعلومات غير الصحيحة والانتهاكات الأخلاقية.
لكن حجم الكوارث اللي صارت بسبب هذي الورقة كبيرة جدًا، على سبيل المثال صار انخفاض حاد في معدلات التطعيم بلقاح MMR في بريطانيا والعديد من الدول الأخرى. في المملكة المتحدة، انخفضت التغطية من 91% إلى أقل من 80% في بعض المناطق.
رجعت الحصبة، المرض شديد العدوى والمميت أحياناً، وتفشت من جديد في بريطانيا وأوروبا والولايات المتحدة. أُعلن عن عودة الحصبة كمرض متوطن في إنجلترا وويلز عام 2008 لأول مرة منذ 14 عاماً! أطفال أصيبوا بالمرض، عانوا، وبعضهم توفي بسبب هذي الدراسة.
الأخطر من هذا كله، هو تآكل الثقة. ثقة الناس في اللقاحات، في الأطباء، وفي العلم نفسه. جدل MMR فتح الباب أمام موجة من التردد في تلقي اللقاحات لا تزال تؤثر علينا حتى اليوم، وشفنا هالشيء في جائحة كوفيد-19.